الأفراد المسلمين في المجتمع الإسلامي، تحصل لديهم حالة اندفاع نحو العبادة الجماعية لأنّ هذه العبادة من الأساليب الناجحة في التأثير في الأفراد والمجتمعات، وهي طريقة فاعلة تقضي على الملل والعجز والكسل والخمول وتنمي الصبر والتحمل وتقوي شخصية الفرد. حيث إنّ استعمال هذه العبادة والذوبان فيها يعطي للأفراد دوراً اجتماعياً كبيراً، ويشعرهم بالإنتاجية والوحدوية مع الآخرين، ويجعلهم متفاعلين مع الآخرين الذين يشاركونهم في الأفعال نفسها.
إنّ الروح الجماعية والمسؤولية التي تلقيها هذه العبادة على عاتق القائمين بها تجعلهم يقبلون على الله بنشاط دؤوب، وفاعلية مستمرة أفضل من الآخرين الذين يفقدون هذه الفريضة المقدسة. إنّها عبادة حيوية تشجّع القائمين بها على مواجهة كلّ ما يعترض طريقهم من مشكلات وصعوبات، وإيجاد الحلول المناسبة لها وذلك لأنّ الموقف العبادي فيها يقوي عزيمة الفرد وإرادته وينمي لديه الصبر والتحمّل وقوّة الإرادة والمواجه وعدم التهرب من الصعاب. لذلك، علينا أن ندعم بعضنا بعضاً، وأن نساعد بعضنا بعضاً، كلُّ بحسب إمكاناته وقدراته، وأن نعيش على أساس الرّحمة والمحبّة، لأن ذلك هو ما يحبّه الله ورسوله ويرضيا عنه: «المؤمن في رحمة الله ما دام في عون أخيه المؤمن». وأن يكون دعاؤنا الدّائم: «اللّهمّ اجْعَلْنِي مِنَ المُصطَفَيْنِ الأخيارِ، وأَلْحِقنِي بالصَّالِحِينَ الأَبرارِ، السَّابِقِينَ إِلى المَكرُماتِ، المُسارِعِينَ إِلى الخَيراتِ، العامِلِينَ لِلباقِياتِ الصَّالِحاتِ، السَّاعِينَ إِلى رَفِيعِ الدَّرَجاتِ».
إنّ الشعور الجماعي بشهر رمضان يحقق فوائد ومزايا عديدة، لعلّ أبرزها وأهمّها تبادل الخبرات بين المسلمين، مما ينتج إمكانية أن يتعلموا من بعضهم البعض الكثير من الأشياء، فتتعدّد مصادر تعلمهم واطلاعهم الديني والثقافي والفكري، وبالتالي يحسن المستوى التربوي والعبادي والأخلاقي والنفسي. إنّ الذوبان الحقيقي للعبادة الجماعية جاء بديلاً للتغلب على الفردية المحضة، لأنّ العمل عن طريق الجماعات يعبّر عن نظام طبيعي للحياة، والعبادة بهذه الطريقة تجمع بين النمو الفردي، والنمو الاجتماعي للفرد المسلم، ممّا قد يسهم في تربية ذات أبعاد متعدّدة.
إنّ الأداء الجماعي لهذه الفريضة يترك أثراً بالغاً في النفس، فتماماً كما أنّ الجوّ الجماعي للمعصية يشجّع المرء على استسهال ارتكابها ويخفّف في نفسه الورع والاجتناب عنها فكذلك فإنّ الجوّ الجماعي للعبادة يساهم في تقوية أدائها بأفضل صُوَرها، فالإنسان بطبعه لا يأنس بفعلٍ ينفرد به أو لا يتفق مع الآخرين عليه، أمّا في الصوم فالجميع متساوون في هذا الجوع والعطش، وبالتالي فسوف يتضاعف سعي الإنسان لاغتنام فرصة أداء هذه الفريضة على مستواه الباطني ودون الاقتصارعلى الظاهر.
لابدّ من أن يترك الصوم في نفوسنا أثراً طيّباً يصحّح لها مشاعرها، وينظّم لها سلوكيّاتها المنحرفة، فما دام الإنسان في طاعة الله، فإنّ عليه التنبه إلى مسؤوليّاته، ومعرفة قدره وحدوده، وعدم الانجراف وراء وساوس النّفس التي تجعله وضيعاً في أعين الناس، وساقطاً من حسابات الله في الدُّنيا والآخرة. يأتي الصوم ليقول لنا تنبّهوا من غفلتكم، وتحمّلوا مسؤوليّاتكم، فمهمة بناء المجتمع الصالح تحتاج إرادةً ووعياً وإيماناً وتوجّهاً سليماً إلى الله وتوكّلاً عليه، وما دام المرء متفاعلاً مع الصوم لجهة تغيير محتواه الداخلي ومشاعره نحو الأحسن، فإنّه يكون أكثر قرباً مع غيره من أبناء مجتمعه إلى تحقيق السلام والتسامح، وتأكيد القيم الأخلاقية والروحية التي يحتاجها المجتمع لكي يكون صالحاً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق